السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
بسم الله ، والحمد لله ، والصلاة والسلام على رسول الله ، صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم
أما بعد :
"إذا الشعب يوما أراد الحياة..... فلا بد وأن يستجيب القدر "
وهنا وقفه لا بد للمرء أن يقف عندها لمعرفة حكم هذا القول ، فالسكوت وغض الطرف لا ينبغي والساكت عن بيانه آثم إن عرف الحق وكتمه .
يقول الشاعر أبو القاسم الشابي :
"إذا الشعب يوما أراد الحياة..... فلا بد وأن يستجيب القدر "
قد تتعجب كثيرا وأن تقرأ هذه الأبيات تسمع من يصفها بالأبيات الرائعة ، ويستشهد بإشعارها في بعض المناسبات
والكتابات ويجعلها دليلا على صحة كلامه، وكل هؤلاء للأسف الشديد قد غفلوا عن الحكم الشرعي لهذه الأبيات
فأقول وبالله التوفيق :
ما معنى القدر الذي أخضع الشاعر استجابته لإرادة الشعوب :
قال الحافظ : قال الكرماني
القدر : حكم الله .
فالقدر سر من أسرار الله تعالى اختص العليم الخبير به وضرب دون الأستار وحجبه عن عقول الخلق ، ومعارفهم لما علمه من الحكمة ، فلم يعلمه نبي مرسل ولا ملك مقرب . انتهى من كلام السمعاني
قال الحافظ : أخرج الطبراني بسندٍ من حديث ابن مسعود رفعه : " إذا ذكر القدر فأمسكوا "
قال الشيخ ابن باز رحمه الله :
أن الإيمان بالقدر يتضمن أربعة أمور :
أولها : أن الله سبحانه قد علم ما كان وما يكون وعلم أحوال عباده وعلم أرزاقهم وآجالهم وأعمالهم وغير ذلك من شؤونهم
ثانيها : كتابته سبحانه لكل ما قدره وقضاه قال تعالى : {قَدْ عَلِمْنَا مَا تَنقُصُ الْأَرْضُ مِنْهُمْ وَعِندَنَا كِتَابٌ حَفِيظٌ} (4) سورة ق
ثالثها : الإيمان بمشيئته النافذه ، فما شاء كان وما لم يشأ لم يكن ، قال تعالى : { وَمَن يُهِنِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِن مُّكْرِمٍ إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يَشَاء*} (18) سورة الحـج ،{وَمَا تَشَاؤُونَ إِلَّا أَن يَشَاء اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ} (29) سورة التكوير
رابعها : خلقه سبحانه لجميع الموجودات لا خالق غيره ولا رب سواه ، قال تعالى " الله خالق كل شيء وهو على كل شيء قدير " انتهى كلامه رحمه الله .
إذن يفهم من هذا أن الاستشهاد بهذا البيت وإشعاره واتخاذ قصيده مطلعها ذلك البيت مثلا فيه انحراف عقدي
والله تعالى يقول : {وَمَا تَشَاؤُونَ إِلَّا أَن يَشَاء اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ} (29) سورة التكوير
فالخلق هو الخاضع لمشيئة الله عز وجل ، وليس قدر الله الذي هو إرادته ومشيئته من يخضع لإرادة البشر
وبيت الشعر هذا فيه تألي على الله عز وجل ، وكأن ارادة الشعوب تفوق ارادة الله ، عياذا بالله
قال صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم " إن الله قدر مقادير الخلائق قبل أن يخلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة ، وكان عرشه على الماء "
فينبغي التحذير والتنبيه من إشعار هذا البيت ، أو الاستشهاد به ، أو اتخاذه مثلا يضرب ، أو يتشبه به لتسلم للمسلم عقيدته
وما أجمل قول الشافعي رحمه الله على نقيض بيت الشعر هذا :
دَعِ الأَيّامَ تَفعَلُ ما تَشاءُ........وَطِب نَفساً إِذا حَكَمَ القَضاءُ
وَلا تَجزَع لِحادِثَةِ اللَيالي .......فَما لِحَوادِثِ الدُنيا بَقاءُ
دمتم بحفظ الله ورعايه