سبحان القائل فى كتابه
( فاليوم ننجيك ببدنك لتكون لمن خلفك آية وإن كثيرا من الناس عن آياتنا لغافلون )
التفسير : يذكر تعالى كيفية إغراقه فرعون وجنوده ، فإن بين إسرائيل لما خرجوا من مصر وهم فيما قيل ستمائة ألف مقاتل سوى الذرية ، اشتد حنق فرعون عليهم ، فأرسل في المدائن حاشرين يجمعون له جنوده من أقاليمه ، فركب وراءهم في أبهة عظيمة وجيوش هائلة لما يريده اللّه تعالى بهم ، فلحقوهم وقت شروق الشمس ( فلما تراءى الجمعان قال أصحاب موسى إنا لمدركون ، أي كيف المخلص مما نحن فيه ؟ فقال: ( كلا إن معي ربي سيهدين ) ، فأمره اللّه تعالى أن يضرب البحر بعصاه ، فضربه فانفلق البحر ، فكان كل فرق كالطود العظيم ، وجاوزت بنو إسرائيل البحر، فلما خرج آخرهم منه ، انتهى فرعون وجنوده إلى حافته من الناحية الأخرى ، وهو في مائة ألف ، فلما رأى ذلك هاله ، وأحجم وهاب وهمَّ بالرجوع ، وهيهات ولات حين مناص ، فاقتحموا كلهم عن آخرهم، وميكائيل في ساقتهم ، لا يترك منهم أحداً إلا ألحقه بهم ، فلما استوسقوا فيه وتكاملوا ، وهمَّ أولهم بالخروج منه أمر اللّه القدير البحر أن يرتطم عليهم ، فارتطم عليهم ، فلم ينج منهم أحد ، وجعلت الأمواج ترفعهم وتخفضهم ، وتراكمت الأمواج فوق فرعون ، وغشيته سكرات الموت ، فقال وهو كذلك : ( آمنت أنه لا إله إلا الذي آمنت به بنوا إسرائيل وأنا من المسلمين ) ، فآمن حيث لا ينفعه الإيمان ( فلم يك ينفعهم إيمانهم لما رأوا بأسنا ) ، ولهذا قال اللّه تعالى في جواب فرعون حين قال ما قال : ( آلآن وقد عصيت قبل ) أي أهذا الوقت تقول ، وقد عصيت اللّه قبل هذا قيما بينك وبينه ؟ ( وكنت من المفسدين ) أي في الأرض ، ( وجعلناهم أئمة يدعون إلى النار ويوم القيامة لا ينصرون ) ، وهذا الذي حكى اللّه تعالى عن فرعون من قوله هذا في حاله ، ذلك من أسرار الغيب التي أعلم اللّه بها رسوله صلى اللّه عليه وسلم ، ولهذا قال الإمام أحمد بن حنبل عن ابن عباس قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم : ( لما قال فرعون آمنت أنه لا إله إلا الذي آمنت به بنو إسرائيل - قال ، قال لي جبريل : لو رأيتني وقد أخذت من حال ( حال البحر: طينه الأسود ) البحر فدسسته في فيه مخافة أن تناله الرحمة )
وقوله تعالى : ( فاليوم ننجيك ببدنك لتكون لمن خلفك آية ) ، قال ابن عباس وغيره من السلف: إنَّ بعض بني إسرائيل شكّوا في موت فرعون ، فأمر اللّه البحر أن يلقيه بجسده سوياً بلا روح ، ليتحققوا من موته وهلاكه ، ولهذا قال تعالى : ( فاليوم ننجيك ) أي نرفعك على نشز من الأرض ( ببدنك ) ، قال مجاهد : بجسدك ، وقال الحسن : بجسم لا روح فيه ، وقوله : ( لتكون لمن خلفك آية ) أي لتكون لبني إسرائيل دليلاً على موتك وهلاكك ، وأن اللّه هو القادر الذي ناصية كل دابة بيده ، وأنه لا يقوم لغضبه شيء ( وإن كثيرا من الناس عن آياتنا لغافلون ) أي لا يتعظون بها ولا يعتبرون بها، وقد كان إهلاكهم يوم عاشوراء كما قال ابن عباس : قدم النبي صلى اللّه عليه وسلم المدينة واليهود تصوم يوم عاشوراء فقال : ( ما هذا اليوم الذي تصومونه ؟ ) فقالوا: هذا يوم ظهر فيه موسى على فرعون ، فقال النبي صلى اللّه عليه وسلم لأصحابه : ( وأنتم أحق بموسى منهم فصوموه ) رواه البخاري عن ابن عباس
مشكورة اختى وفاء
تحيااتى
ام سما